Monday, February 7, 2011

من تجاربهم
زاوية تنقل لكم تجارب من صارعوا المرض وصرعوه تحدوه بعزيمة جبّارة واستطاعوا أن يسخروا من هذا المرض ويخرجوا من بين براثنه ليحدثوننا ويحثوننا على أننا نحن أيضاً نستطيع،
نستطيع تحدي مرض السرطان والتغلب عليه
انا ومرض السرطان
شهادة من الممرض صبري الصفدي
ماجستير / قلب وأوعية دموية
أخصائي كلينيكي _ جامعة القدس

الشهادة الأولى
مقدمة: 
كل هذه العبارات تحمل مفاهيم ومعاني مهمة عن الموت والحياة، ولأن السرطان يعتبر في مفهومنا مرض قاتل لذا رأيت أن أكتب هذه المقالة أملاً أن تكون عنصر مساعدة لكل إنسان يقرأها للتعاطي مع ظروف مشابه تمسه شخصياً أو تمس شخصاً عزيزاً عليه " لا سمح الله."
حيث يشكل عدم الاستسلام والرغبة في الحياة عامل قوي في الانتصار على السرطان.


26/2/2006
 بداية ارغب ان أؤكد لكل من يقرأ هذه السطور أنني اقصد كل كلمة كتبتها وأنني حاولت قدر المستطاع ان اعكس ما وهبني الله من معرفة وعلم في العلوم الصحية ضمن تجربتي الخاصة في الصراع مع هذا المرض القاتل.. انا هنا لا ارغب ان اصف أية بطولات غير تلك التي احددها بشكل واضح.. وصريح.
كيف كانت البداية؟؟؟
صحيح أنني عشت العمر كله في صراع دائم مع مشقات الحياة المليئة بالضغوطات والتحديات منذ نعومة أظفاري.. حتى تمكنت من وضع شيء يخصني ويرفع من قدري في هذه الحياة مقارنة بأولاد جيلي حيث لم يحالف الحظ الكثيرين منهم كما فعل معي..
وصحيح أيضا ان الخمس سنوات الماضية كانت عظيمة الضغط من النواحي النفسية والجسدية لدرجة تراكم معها وبها الكثير من المتغيرات الجسدية والنفسية منها ما كان ظاهراً ومنها ما بقي مستوراً... لكن في لحظة ما ظهر شيء ما وعن طريق الصدفة تم تشخيصي بأنني احمل تكاثراً سرطانياً في دمي يكاد يقتلني دون ان ادري.. بعد مكاشفة البروفسور لي ورؤية شرائح الدم تحت المجهر وتعرفي على الخلايا السرطانية بعيوني خرجت من العيادة وآلاف الأفكار تتنازع دماغي وتدفعني بمليون اتجاه.. لحظة مغادرة باب العيادة الخارجي، مازالت الشمس ساطعة والساعة تقارب الثانية بعد الظهر من عصر يوم 19/4/2005 وطنين الكلمات التي قالها البروفسور (عليك ان تدخل المستشفى اليوم.. لديك بضع ساعات لتتصرف) هنا توقفت قليلاً وأخذت أتنفس بعمق تناولت علبة سجائري وأشعلت واحدة.. جعلت أنفاسي تسحقها سحقاً، )هو تعبيري عن غضب وخوف وحزن يملئني(.. ذرفت دمعات قليلة حتى تمكنت من التماسك وبدأت رسم سيناريو التصرف الاولى مع زوجتي، أهلي حتى ادخل المستشفى وبعدها يحين موعد كشف الحقيقة.. المهم الذي ارغب قوله لهذه المرحلة التي فيها مارست نوع من الجراءة التي احترم نفسي عليها بأنني قد واجهت هذا العدو الذي يسمى سرطان رغم شعوري ومعرفتي الأكيدة انه خطر وقاتل، نعم لقد واجهته باتخاذ قرار حاسم بأنني لن اسمح له ان يدخلني في متاهة (القبول والرفض، الغضب، والكآبة).. لقد تقبلته و تقبلت وجوده يتصرف بحرية بداخلي، كما قررت أنني سأقاومه حتى اخر نفس واعتبرت هذا انتصاراً نفسياً لي عليه، بحيث يشكل قاعدة الانتصار الفسيولوجي في فترة لاحقة..
إذن كان هذا الدرس الأول لي:- حيث تم قبول وجود المرض والتعاطي الايجابي معه دون هدر للوقت ودون استنزاف سلبي للطاقة من خلال الخوض في المراحل النفسية المتعددة التي ترافق بالعادة حالة إصابة أو تعرض الإنسان لكارثة أو فقدان رمز مهم في حياته، مثلما حصل معي وذلك بسقوط تاج الصحة من على رأسي.
 وكذلك ان اقبل المتغير بداخلي وأن أتعامل معه بواقعية دون ان استسلم له ولتأثيره بل البدء فوراً بالاستعداد لمواجهة طويلة..مؤلمة وخطرة مع هذا الذي يسمى سرطان (سرطان الدم – لوكيميا).
نعم لقد أدخلت المستشفى في ذات المساء وأخبرت أخي ورفيقي بحقيقة الأمر حتى انقضاء أول ليلة كانت كل الأسرة تعرف التشخيص.. كنت أرى وقع الصدمة في عيون زوجتي الحامل التي حبست دموعها خوفاً على إثارة مشاعري.. رأيتها في عيون أخواتي..أولادي وبناتي، رأيت الدموع في عيون كل من أحبني.. حاولت جيداً ان اقرأ مشاعر كل واحد يحدثني أو يأتي إلي زيارتي. ودفعت باتجاه التعزيز الايجابي بأنني سأقاوم وهم وبجانبي وعبرت عن سعادتي التي هي مصدر قوتي وحطب المواجهة لحرق هذا السرطان.. وهذا الوقود ما ممكن ان يتوفر لو لم يكن لي أطباء حقيقيين هم معي وماسكين بيدي خطوة بخطوة حتى الانتصار الحقيقي.
لم تبدأ المرحلة الثانية بعد إلا وتداخل معها عناصر المرحلة الاولى حيث كان العنوان (الحب هو أفضل الأدوية).
 نعم بالحب ينتصر الإنسان.. فأنا أطلقت كل ما بداخلي من حب وشاركت به كل من حولي لأشعل نار الدفء في هذا الجسد الذي بدأ يبرد درجة تلو اخرى مانعاً إياه من التجمد والموت.
الدرس الثاني الذي تعلمت: كان يهدف الى توحيد الجهد والطاقات باتجاه واحد وليس بعدة اتجاهات.. اقصد كان هدفي العلاج الكيماوي- ومن ثم الزراعة ان أمكن وحاولت كل جهدي ألا اخرج عن هذا القطار واركب غيره.. ربما يسأل أحدكم هل كان هناك قطارات اخرى متوفرة، الجواب نعم.. لقد كان العديد من الأصدقاء والأهل الذين أتوا للتواصل معي وزيارتي يحمل كل واحد أو أكثر منهم مشروع سفر لي.. لقد قدموا لي التذاكر لتسهيل ركوب قطاراتهم، نعم لقد كانت قطارات بديلة.. منها ما هو مبني على أساس علمي، ومنها ما هو مبني على أساس شبه علمي ومنها ما هو مبني على أساس غيبي (إيماني).. لم ارفضها لكن تمسكت بالبوصلة لأحافظ على الاتجاه والسير قدماً..
لقد تعلمت درسي الثاني ألا اسمح لنفسي بالتيه وآلا أتمسك بكل قشة ترمي الى لأنقذ نفسي من الغرق.. على العكس سمحت لنفسي ان أسير كما سار الشيخ والبحر.. ومارست فن تعلم العوم (السباحة) بدون معلم وبظروف غير آمنه، كان من الممكن الغرق بسهولة لغياب المنقذ.. لقد أسلمت نفسي للمنقذ الأكبر والشافي الأكبر وأخذت أتحرك يميناً ويساراً اسبح مع التيار وعيناي تنظران الى الشاطئ.
لقد بدأت أتعلم كيف اشحن روحي بالطاقة، كيف أجددها يوم بيوم، وساعة بساعة منتظراً وصول يوم جديد وأمل جديد يشير باتجاه متغير ايجابي.. هنا أخذت قرار رقم 2 وهو ان أحافظ على روح الصمود والمواجهة.. بشكل مرتفع ودائم على مدار الساعة...
كنت أدرك ان الجسد سوف ينهار بناءه احياناً بشكل سريع واحياناً بشكل بطيء وغير ملموس وأنا لا أستطيع ان أقدم الكثير في هذا المجال لذا كان القرار بأن روح الصمود والمواجهة هو بالكامل ملكي انا وأنا فقط طالما تمتع جسدي بعقل واعي ومدرك على الأقل...
في هذه المرحلة التي بدأت أتناول عقارات العلاج الكيماوي خلال الأسبوع بدء جسدي يفقد مناعته وبدء الطاقم الطبي يفرض شروط أكثر جدية لممارسة العزل الطبي لحماية هذا الجسد المتهاوي.. هنا بدء الصراع يتجدد بين الإحساس بالموت والرغبة بالحياة، وكان لمرافقتي وأحبتي دور عظيم في تعزيز طاقة الرغبة بالحياة مواجهة الإحساس بالموت ومنع الاستسلام له.. حتى ان شبح الموت أصبح احد المرافقين لي في الليل على شكل أحلام وفي النهار على شكل أفكار ومشاعر لكن ملاك الحب الذي ملئ المكان اولاً بأول شكل الساتر والواقي لي حيث كانت نظرات زوجتي، ابنتي، وآخرين من أحبتي من أهل وأصدقاء حتى النكات والدعابة التي تمتع بها أولادي شكلت مشاعل أمل في ليلي الطويل والحالك نعم ان الطفلة (الطفل) في رحم زوجتي لعب دوراً مميزاً بمنحي قرار اخر للصمود والتحدي منحني الأمل بأنني يجب ان أعيش لأمنحها حق الأبوة وأتمتع معها برفقة دافئة، لذا فأن الدرس الأول لم ينتهي وسوف لن ينتهي ما بقيت الحياة. ان الحب وبالحب ينتصر الإنسان.. نعم لقد تسلحت به واعتبرته مصدر غذاء الروح المتجدد.. كنت للحظات أخاف التعبير عن هذا الحب وكان خوفي ينبع بالاحساس بفقدان من أحب سواء برحيلي أو ابتعادهم عني، لكن الحب كان الأقوى في دحر هكذا مشعر سلبية.
لقد تلقيت ثلاثة أو اربع كورسات من العلاج الكيماوي في كل كورس كان يستغرقني فترة خمس الى ستة أسابيع لاستعيد بعض من حصانة المناعة الجسدية وكنت في كل مرة اشعر بالفرح، اشعر بالنصر الذي سرعان ما يتبدد بانتكاسة وتراجع نتيجة تجدد النمو السرطاني.
هنا يتجلى الموت بأبشع صوره حيث يصبح الجسد على درجة من الضعف، الهزال، الألم، التدهور يوحي للقريب والبعيد بأن ملاك الموت ينتظر على الأبواب ان لم يكن يجالسني سريري منتظراً الأذن بانتزاع الأمانة والمغادرة.
وكان لفترة الثلاثة شهور الماضية يشكل العنوان الأبرز لهذه المرحلة, لمن يكون الفوز للسرطان, إم للعلاج (الذي يبدو أصعب من السرطان وأكثر تدميراً منه) ام للإرادة في مقاومة الموت وتجدد الحياة؟

"شهاده رقم 2"
 ( بعد عام على المرض )   20\4\2006
مقدمة: انا إنسان يعترف لكم انه لا يستطيع كتابة سطر واحد متى يشاء، لكن يتدفق مداد القلم بين أصابعي في لحظة ما.. وتجود قريحتى  بأشياء كثيرة لا أستطيع استحضارها متى أشاء، بل على العكس تصبح أصابعي وقلمي أسيرة للحظة وما تمليه علي الكلمات والتعابير لتشكل مادة ما.. لقد حاولت ان اكتب عدة مرات في الفترة الممتدة بين كتابة الحلقة الاولى والى ساعات قبل الشروع بكتابة هذه السطور ولكن لم استطع ان اكتب رغم وجود رغبة في ذلك، فمثلاً لقد كانت هناك فرصة قبل ثلاثة أيام أي بتاريخ 17/4 حيث يصادف هذا التاريخ مناسبتين مهمتين في قاموسي الشخصي لكون هذا التاريخ يمثل عيد ميلاد أخي محمود الأسير منذ 18 عاماً وهو في ذات الوقت يوم له (يوم الأسرى) يستوجب ان يحيياه ونحييه بشتى الوسائل... ابسطها هو ان اكتب له شيئاً...
بالفعل لقد قامت زوجتي بخط رسالة وأنا لم أقم بالكتابة له بل اكتفيت بنسخ الرسالة له بخط يدي.. لماذا هذا حصل معي لا ادري؟!!
اليوم 20/4/2006 في تمام الساعة السابعة والنصف مساءاً، شعرت بضرورة الكتابة لماذا ؟؟ لان هناك شيء نضج بداخلي وأدركته بالجزء العلوي من دماغي وقررت ان اكتب حوله.
انا اليوم تعلمت درساً جديداً.. علمني إياه مرض السرطان سأقوم بتلخيص هذا الدرس في نهاية الحلقة.
المهم ارغب الان بوصف أحداث معينة أدت الى نتيجة تعلم هذا الدرس.
قبل أسبوع من اليوم قمت بزيارة بيت الأسرة بعناتا... وقضيت مع الأسرة بما فيهم ابني احمد بضع ساعات، تناولت معهم طعام الغذاء وبعد اقل من ساعة غادرت بيت الأسرة الى بيتي في بيت حنينا.
اليوم كررت نفس الزيارة وتناولت وجبة الغداء معهم وجلست اخر نصف ساعة مع ابني احمد، حيث كان الوقت يمر طوال الوقت بكلمات قليلة من قبلي واغلب الحديث كان يدور من حولي منقبل الأهل حيث يبادرون به يديرونه بفعالية ممتازة مقارنة بمشاركتي الضعيفة... ليس هذا الصمت هو المهم، الأمر المهم ان ابني احمد سألني في لحظة ما.. هل أنت غاضب مني؟؟ فقلت له لا.. قال لي ( لقد غادرت الأسبوع الماضي دون ان تودعني أو تشعرني بأنك ذاهب الى البيت... فراودني شعور ان أبي غاضب مني ولم يودعني؟ انا أكدت له كما أؤكد لكم أنني لم أكن غاضب منه... بل الواقع يقول إنني لم أكن في أفضل وعي لما يدور حولي ولم امتلك الإدراك لما يصدر عني من تصرفات، لقد كنت قليل التركيز، شارد الذهن، رغم إحساسي الواضح إنني لم أكن أعاني من أية أعراض جسدية تشير باتجاه إنني مرهق أو مريض، بل كانت حركتي وأنظمتي الجسدية تعمل بشكل مقبول ضمن الفهم الطبي الذي أتمتع به.
من جهة ثانية لفت ابني الصغير حسام وهو إنسان قريب جدا من روحي ونفسي قائلاً لي بعد ان قام باحتضاني وتقبيلي لكونه كان منذ أسبوع بعيد عني بسبب العطلة المدرسية.. نعم لقد قال لي هل أنت ( موجوع) أم ماذا ؟؟ اشعر انك لست بوضع جيد!! قلت لابني حسام لا انا بخير بابا... ( بس يمكن أكون متعب من المشوار) أي الوصول من القدس الى عناتا "ضاحية السلام".
هناك حادثة اخرى حصلت معي بالأمس، حيث دار حديث بيني وبين زوجتي حول تصرفاتي اليومية، حاولت زوجتي بصدقها وصراحتها منطلقة من إخلاصها ان تقول لي ان أبوح لها بما أخبئ في صدرى, فهي تلاحظ ان صبري الذي كان شعلة نار وبركان ضحك، صبري الذي كان يبدأ بالحديث وقادر على الاستمرار فيه لساعات وباتجاهات مختلفة.. اليوم يتكلم كمن يذهب الى الصين فيجد نفسه مع أشخاص لا توجد معهم لغة مشتركة.. فيقوم بتلفظ كلمات قليلة ومعدودة ويؤدي بعض الإيماءات الضرورية للتخاطب متمثلة بحدها الأدنى لأنه لا يملك أكثر من ذلك.
المهم هنا إنني وعدت زوجتي ان أقوم طوال يوم الغد بالتفكير في هذا الأمر وان أصدقها القول حول ما اشعر أو أحس به بشأن هذا التغيير الدراماتيكي في شخصية صبري.
بالأمس ايضاً جاءت الى البيت زميلة من جامعة القدس وألمحت أيضا الى زوجتي ان سلوك صبري لمن يعرفه يدل على ان صبري يتصرف ليس كما عرفه الناس، لذا قامت بالسؤال حول أوضاعي وهل هناك شيء ما يضايقني وأنا أخفيه عمن أحب من الناس؟؟؟
حتى اختصر القول والسرد حول هذه الملاحظات والتساؤلات عن سلوكي وتصرفاتي، ارغب بالقول إنني قبل ساعة فقط من هذه اللحظة لم يكن لدي أي أجوبة حولها بل على العكس لقد كنت أقول لنفسي وللآخرين ( إنني اقسم بالله العظيم ثلاثاً بأنني اشعر ان الوضع النفسي لي جيد وأنني فعلا لا اشعر بأنني تحت ضغوط نفسية أو معنوية تتطلب مني أو تجبرني على التصرف باتجاه الصمت، شرود الذهن، بل إنني اقسم إنني من الداخل متقبل وراضٍ عن أوضاعي الحالية رغم وجود بعض المنغصات التي تأتي من اليمين أو اليسار، لكن بالإجمال انا متعايش ومتأقلم مع الظروف).
إذن ماذا حدث اليوم؟؟
كالمعتاد استيقظت حوالي الساعة الثامنة صباحاً، تناولت القهوة مع زوجتي، قامت زوجتي وأبناءها مغادرة المنزل لقضاء حاجات تخص محلها الجديد... لم ارغب الذهاب معهم لئلا أكون عبئاً عليهم، خاصة وإنهم سيقومون بزيارة مجموعة شركات لشراء البضائع المطلوبة.. ولهذا جلست أمام التلفاز أشاهد بعض البرامج السياسية حتى الساعة الحادية عشر صباحاً، قررت لحظتها ان اذهب الى القدس وبعدها أتوجه الى بيت أهلي بعناتا، ثم أعود أدراجي الى بيتي، لقد لبست قميص طويل الأكمام، ووضعت واقي الشمس على وجهي، وارتديت نظاراتي الشمسية.. أي إنني التزمت بشكل جيد بالتوجيهات الطبية لمرضى السرطان حول كيفية التصرف عند مغادرة المنزل في يوم صيفي بلغت درجة الحرارة فيه ما يقارب 25 درجة المئوية، أي انه يوم صيفي حقيقي.
بالفعل لقد قمت بقيادة السيارة حتى دخلت موقف السيارات التابع لملاعب المطران و (YMCA) نزلت من السيارة وقمت بزيارة صغيرة لصديقي ميشيل عصفور مسؤول النشاطات الرياضية في مؤسسة جمعية الشبان المسيحية بالقدس، بعد استراحة قصيرة وحديث ودي معه، غادرت باتجاه البريد وقمت بفتح الصندوق وتناول ما بداخله من رسائل لي، ووقفت لحظة قبل ان أغادر مقر البريد وسالت نفسي هل هناك شيء اخر أريد ان افعله.. كانت الإجابة لا أستطيع ان أتذكر، لكن هناك شعور راودني انه فعلاً يوجد شيء يجب فعله لكني لم اعرف ما هو، لذا غادرت مقر البريد باتجاه موقف السيارات.
المفاجئة حضرت الى مساء اليوم عند عودتي الى البيت ان الرسالة التي كتبتها زوجتي لأخي بمناسبة عيد ميلاده كانت طوال الوقت معي( احملها بيدى ) ولم أتذكر ان أضعها في صندوق البريد.. !!! لقد انتابني شعور قوي بالغيظ والغضب من نفسي، كيف نسيت موضوع الرساله وأنا أصلا قمت بالتخطيط قبل ليلة بأنني سوف اذهب للبريد لأتفحص بريدي واضعها في صندوق البريد.
المهم كانت الشمس حامية الوطيس، شعرت بالهبوط والهزال رغم إنني أسير اغلب الوقت في الجوانب المظللة من الرصيف أثناء رحلتي بين موقف السيارات ومقر البريد وبالعكس، دخلت السيارة بحدود الساعة 12:30 وشغلت المحرك باتجاه بيت أهلي بعناتا، كانت الطريق طبيعية ( سالكة) دون أية مشاكل تخص السير وهذا استغرق مني ما يقارب الربع ساعة، لكن المشوار ومن ثم قيادة السيارة جعلاني ادخل بيت أهلي وأنا اشعر بالجفاف الشديد وبالحكة تأكل جسدي، بل بالنار تطفح من وجهي وجسدي وارتميت على أول أريكة لا أستطيع الحديث وطلبت شربة ماء وقمت بالاسترخاء لمدة تزيد عن الربع ساعة حتى هدأت دقات قلبي، وبدأت تدريجياً تعود الى المستوى المقبول لها، نعم لقد بدأت استجمع أنفاسي والتقطها الى اللحظة التي بدى فيها تنفسي أسهل واقرب الى الطبيعي, أي التنفس دون بذل أي جهد عضلي زائد عن حده الطبيعي.
هذه اللحظات أستطيع الان ان أصفها بصراحة بأنها قاسية وصعبة لكن محتملة... الغير محتمل والأصعب والأكثر قساوة كان في طريق عودتي من عناتا الى بيتي، ما ان غادرت ضاحية السلام في تمام الساعة الرابعة إلا ربع عصراً، وصلت الى مفترق عناتا المخيم بعد عدة أمتار وجدت اخر سيارة جاثمة وأمامها رتل طويل من السيارات أولها عند جندي التفتيش في مدخل الشارع الرئيسي وأخرها كانت سيارتي في تلك اللحظة، لقد كانت تصطف بثلاثة مسارات على طول الطريق الخارج الى القدس، بتقديري الخاطئ قلت أنها أزمة عابرة سوف تمر سريعاً، لكن عدد السيارات ازداد وبدأت الأقوياء من الناس تتجاوز الصفوف وأنا في الصف أتقدم مترين كل خمسة دقائق واحياناً عشر دقائق أتقدم فيها متر واحد.
بدأت الشمس تأكل من جسدي وتلسعني أكثر فأكثر أخذني شعور كبير بالإعياء، زادت الحكة الجلدية، شعرت بجفاف هائل في فمي وحلقي، شعرت إنني سوف افقد الوعي إذا ما استمر الوضع أكثر لقد مرت أكثر من 30 دقيقة علي وأنا مازلت أراوح بمكاني، لذا قررت ان احترم محدودية قدراتي وان اطلب شربة ماء، نزلت من السيارة وسالت عدة سيارات حولي إذا ما كان لديهم شربة ماء..؟؟ للأسف لم أجد لدى من سالت من حولي ماء لذا عدت الى السيارة لأحافظ على موقعي في المسار لان الناس بدأت تتذمر وأخر اخذ يتجاوزني ويعبئ الفراغ الذي تقاعست عن التقدم إليه في لحظة ما، أخذت الثواني والدقائق تصبح ثقيلة وبدأت اشعر ان مخزون التحمل بهذه الأجواء لدي اخذ يتناقص بسرعة، لدرجة إنني نظرت الى عداد الحرارة بالسيارة لأتفقد الحرارة خوفاً من جفاف الماء من الراديتر ( المبرد) لكن مؤشر الحرارة كان بوضع مناسب، نظرت الى وجوه الناس لم استطع ان اقرأ إنهم يعانون من الشعور بموجة الحر، بدأت أتسأل هل انا وحدي من يعيش هذا الشعور؟ بدأت أفكر هل أقوم بالتجاوز عكس السير وعندما اصل الجندي في نقطة التفتيش اشرح له إنني مريض بالسرطان.
في الحقيقة لقد شتمت كل موظف في مؤسسة التأمين الوطني ولعنت هذا اليوم وحملتهم المسؤولية لأنني لو كنت احمل بطاقة مريض سرطان ولدي اشارة عجز لفعلت ذلك واعتذرت للناس الذين تجاوزتهم ولربما عبرت إذا ما تفهم الجندي وضعي، لكن هذه هي البيروقراطية في القسم العربي لمؤسسة التأمين الوطني، لقد مر عام على مرضي وملفي مازال في مرحلة البحث والنظر رغم تأكيدهم المتكرر لي ان كل شيء جاهز، فليس هناك أوراق، معلومات ناقصة كما فعلوا معي عدة مرات خلال زياراتي المتكررة لهم والوقوف الطويل ضمن طوابير الانتظار، نعم إنني العنهم لأنني لم ولن أكون متسولاً على عتباتهم فانا دفعت طوال سنوات شبابي ما يتوجب علي من ضرائب للجهات المختلفة وكنت دائما حريصاً ان لا ادخل في بوتقة الملاحقة القانونيه منهم أو من غيرهم تجاه القوانين الضريبية المفروضة علي كانسان مقدسي، على العكس رغم معاناتي الطويلة خلال العام من خلل قاهر في الدخل أرسلوا لي عدة مرات فواتير جباية دفعت بعض منها وألغيت البعض من خلال محاسبي لأنني كنت ادفع لهم طوال فترة عملي من خلال وظيفتي في وزارة الصحة الإسرائيلية فرع القدس، انا فعلاً امتلئ شعوراً بالقهر والغضب لهذا التعامل الغير منصف، الارنونا لم ترحمني، فما بالكم مستوجبات الحياة التي تتطلب الدفع في مليون اتجاه وليس لديك اتجاه واحد لتحصل منه على أموال، وأنا ما زلت أجير غير محمي وغير مثبت وغير قادر على العودة للعمل، خلاصة انا أقول كما تقول العجائز في بلادي ( منهم لله).
عودة لموضوعنا الأصلي، انا ما زلت قابعاً في طابور طويل من السيارات أتقدم متر أو مترين كل بضعة دقائق، بدأت أنهك واتعب أكثر فأكثر، أخذت أفكر بالصياح والطلب من الناس بمساعدتي والإعلان لهم إنني مصاب بمرض السرطان وغير قادر على الجلوس خلف المقعد، لكن لعنها الله من كبرياء متأصلة لدى منعتني، ودفعتني بالصبر والتحمل حتى اخر لحظة، وأخيرا بعد ساعتين أو أكثر قرر جندي محترم ان يفتح مسرب ثاني للمرور من إمامه وكانت الفرصة أمامي مهيأة بالانحراف باتجاه هذا المسرب مع عشرة سيارة اخرى أمامي، تنفست الصعداء وتابعت التقدم، فقد كان تقدم سريع دون تفتيش أو سؤال عن الهوية، لكن ما ان وصلت لنقطة محاذية له نظر الى وأشار الى بان أتقدم واركن السيارة الى اليمين. توقفت وقلت له: اسمح لي انا مريض سرطان وهذه هي بطاقتي يمكنك ان تسال مستشفى هداسا قسم نخاع العظم عني، سألني لماذا لا أضع الحزام؟ تبسمت وقلت له لأنني اختنق وربما دقائق احتاج أنعاش، ثم تابعت قولي وقلت له أرجوك هل أستطيع ان اشرب قليلاً من الماء، فقال نعم هناك تناولت شيئا من الماء وغسلت وجهي بقليل منه ومشيت باتجاهه لإعطائي بطاقة الهوية وتابعت سفري، دقائق معدودة وصلت الى باب البيت، نزلت من السيارة وساقاي لا تقويان على حملي والسير بهذا الجسد الذي اشعر حقيقة انه أعادني الى أوقات كورسات الكيماوي.. وما رافقه من هزال آنذاك، دخلت المصعد لم تكن الرؤية واضحة أمامي فعيناي مغطاة بغشاوة جزئية، ضغطت الزر الى الطابق الثاني، لأجد نفسي إنني ضغطت الطابق الثالث بدل منه، عدلت مساري وضغطت على مكبس الطابق الثاني لأجد نفسي أمام بيتي، خلعت الحذاء والكلسات ثم القميص والبنطلون وألقيت نفسي كالقتيل على الأرض لأرفع نفسي بجهد الى الأريكة، بعد نصف ساعة تقريبا استراح جسدي، هدأت أنفاسي، قمت شربت بعض الماء، لبست بنطلون الرياضة، بقي نصفي العلوي في الفانيلا، تعجبت من نفسي كيفية استعادة حيويتي، نظرت الى وجهي بالمرآة وجدته كما كنت أراه في الفترة الأخيرة، لكن وجدت ان الجلد عند مرفق الكوع ليدي اليسرى قد نزف قليلاً وتسرب بعض الدم تحت الجلد، نظرت ورأيت انتفاخاً في الوريد المجاور لهذا النزف إلا ان معرفتي الطبية لهكذا ظواهر ساعدتني بتقبل ما حصل وعدم الخوف منه.
أخيرا ما ارغب قوله في هذه الحلقة التي وصفت فيها تجربة عدة ساعات من يومي هذا مع مرافقة بعض الملاحظات التي أشرت إليها من قبل أحبائي حولي، جعلتني امسك القلم واكتب، نعم اليوم فقط تعلمت درس قديم ولكن بأسلوب جديد، لقد ذكرت في الحلقة الاولى عن ضرورة تقبل مريض السرطان لمحدودية قدراته وقبول هذه المحدودية والتحرك ضمنها دون الاستسلام لسقفها.
لكن اليوم الحقيقة صعقتني حين قالت لي ( ان في الامتحان يكرم المرء أو يهان) رغم ان استعدادي كان جيد للخروج من البيت ضمن مسار محدود وصغير في أول يوم صيفي ورغم تقيدي في توجيهات الطب نحو هذا الاتجاه، إلا إنني توصلت لأجوبة حقيقية لكل التساؤلات من حولي.
اولاً زوجتي العزيزة ان شرود ذهني أو صمتي ما هو إلا تعبير حقيقي عن بطئ مستوى النشاط الذهني لدي، لذا لا تؤاخذيني إذا مرت أوقات طويلة دون ان أتحدث، دون ان اصخب أو امرح، دون ان تلمع عيناي ببريق اليقظة وتبادل المشاعر الذي كنت تتساءلين مع نفسك إذا ما ماتت لدي أم لا؟ (لا أنها لم تمت) لا الضحكة ولا الصخب والبريق في عيني، لكن اليوم اكتشفت أنني قليل التركيز وهذا ما يعطي اشارة أنني شارد الذهن، لكن في الحقيقة ضعف عام يسود هذا الجسد من الرأس حتى أخمص القدم بدأ واضحا وجليا لي اليوم بعد هذه التجربة، لقد علمتني قساوة الأجواء اليوم كيف أرى كل هذه الأشياء التي ذكرتها في الحلقة في الوقت الذي لم أكن قادر حتى الأمس القريب قادراً على تشخيصها أو إدراكها، لذا أرجو من كل أحبائي ان يعذروني في إسقاطاتي في الاتجاهات المختلفة وأنا أعاهدكم ان أحافظ على إصراري في اتجاه النهوض ورفع سقف قدراتي الى أعلى درجة ممكنة محاولاً مقاربة صبري وسلوكه ما قبل المرض، هذا انا هو نفسه صبري لم يتغير الى شخص اخر مثلا اسمه محمد، لكن تغير لدي قدرات وسلوك لا أجدها في الحقيقة كافية للادعاء بأنني لست صبري،   لكن صبري المقاوم سيبقى يقاوم ليعود الى حياة ونشاط نوعي اقرب للطبيعي ولكن لربما الظروف تجبرني في موضوع الكم قليلاً، من خلال مراعاتي لمحدودية الطاقة والتحمل لدي.
فانا مرة اخرى استميحكم عذراً، كما اطلب دعمكم وإسنادكم الذي يشكل أساس الدعم والحماية لي، فانا اقبل ان العب دور الحامي والمحمي معاً، وهذا تنازل ليس ببسيط لرجل بمثل شخصيتي رجل لعب منذ نعومة أظفاره دور الحامي أكثر من أي شيء اخر.
مع تحياتي
صبري صفدي        
"شهاده رقم 3"
اليوم هو 18/5/2006
مجدداً... لا ادري ماذا حصل حتى تتفتح زهرة قريحتي فأمسك قلمي لأخط كلمات جديدة في مسلسل شهادتي الحية ( انا والسرطان) لقد قرأت نص الشهادة الاولى الذي تم طبعه من خلال الإخوة المخلصين في مؤسسة "زينة"، هذه المؤسسة الواعدة ضمن مجموعة قليلة من مؤسسات أخرى تعنى بمرضى السرطان وأسرهم، أتمنى لهم الاستمرار ولهم مني عهد بتقديم كل ما أستطيع لأدفع بهم نحو الأمام.
نعم كلمة السر اليوم هي ( نحو الأمام) حيث ستكون بداية الشهادة ونهايتها بشكل أو بأخر.
تقدم... تقدم... ببطئ لكن راقب نفسك وأنت تتقدم مثل الأطفال نحو الأمام.
يشعر مريض السرطان في مرحلة الاستشفاء والتعافي انه شفي لمجرد غياب الأعراض والآلام المرافقة لفترة العلاج المكثفة التي يمر بها في ثلاث مراحل، مرحلة التشخيص والعلاج الكيماوي ومرحلة الزراعة ان كان له فيها نصيب ومرحلة رد فعل الجسد تجاه الزراعة.
ان المريض بعد فترة تتجاوز البضع اشهر يشعر بالصحة، إنها صحة نسبية، طالما كان مرتاحاً في البيت وفي ظروف بيئية مناسبة، لكن سرعان ما تتبدد هذه الصحة عندما ترتطم بمحك قساوة الظروف البيئية التي يشعر العديد من الناس الأصحاء إنها طبيعية ومحتملة.
انا هنا أحاول التذكير بالشهادة رقم 2، بشهادة سابقة لموقف وظروف التجربة عند حاجز التفتيش وكيف ان الأمور وصلت بجسدي لحد الانهيار.
الان فقط أقول كم هو مظلوم شعبنا الفلسطيني في ظروف حياته التي فرضت عليه ان يتنفس في كل لحظة موجات من الضغوط النفسية والجسدية المتنوعة، نعم انه يمكن ان يسمى بالمسكين بدءً من أطفاله ونهاية بشيوخه، لكن حتى لا يشعر القارئ بأنني اطلب العطف عليه ( وان كان مبرراً في أحيان كثيرة حيث يوجد حوالي 25 طفل بحاجة لزراعة نخاع ولا يجدون من يمول ذلك) ان شعبنا بحاجة لمن ينصره ويمد له يد العون نتيجة لتعقيد ظروفه الحياتية بجوانبها المختلفة، رغم هذا اثبت شعبنا للقاصي والداني انه عظيم وجبار وصدق قوله تعالى ( فيها قوم جبارين).


شهاده رقم 4
2\5\2006
انا هنا اليوم ارغب بالمشاركة بدرس جديد تعلمته حديثاً، لقد تعلمت ان أقارب نفسي وأراقبها، أقاربها بين الأمس واليوم وأراقب تقدمها الغير الملحوظ في أحيان كثيرة، مقارباً مجدداً بين اليوم والغد، لقد كان مريحاً جداً لي ان أرى نتائج المراقبة والمقاربة، فبالأمس القريب كنت أسير في ممر البيت بين المطبخ وغرفة النوم وأنا أترنح يميناً ويساراً.
واليوم انا أكثر توازن في حركتي حيث البس البنطال دون خوف من السقوط أرضا، أسير في البيت كما في الشارع بثبات ودون ترنح أو اهتزاز.
اليوم انا امتلك مخزون طاقة جسدية كبيرة نسبياً إذا ما قورنت بحجم الطاقة لدي قبل شهرين مضوا.
أليس هذا تطوراً ؟!! ان أسير من جمعية الشبان المسيحية ماراً بشارع نابلس وباتجاه شارع باب الساهرة، منتهياً بشارع صلاح الدين والعودة لنقطة الانطلاق، كل ذلك سيراً على الأقدام لما يقارب الساعة من الزمن، لقد فعلت كل ذلك ولم اشعر بضيق تنفس أو بسرعة خفقان قلبي، للمرة الاولى أسير ولا اشعر بتلك التيارات تعبر جسدي من رأسي لأخمص قدمي تلك التيارات الرجاجة التي كانت تسري بداخلي ولم يستطيع أي مهني الإجابة حول أسبابها، المهم بالأمر إنني بعد هذا الدرب الطويل انتابني شعور عظيم، شعور بالنشوة والنصر.
يا الله، لربما يسأل أحدكم كيف تعلم صبري هذا الدرس الرائع ( كيف أقارب وأراقب نفسي حيث أتقدم خطوة خطوة الى الأمام).
الفضل يعود بذلك لمعلمتي الرائعة، تلك الصغيرة التي تقارب عمرها وعمر زراعتي السبعة شهور، انا خرجت من غرفة الزراعة وهي خرجت من رحم والدتها في فترة لا تزيد عن الأسبوع، إنها معلمتي وابنتي هبة، هذه الهبة الجميلة التي منحني إياها الله في أصعب ظروف حياتي، عندما كنت جالساً على السرير وكانت هبة بين أحضاني وأنا أداعبها العب معها وتلعب معي، لفت انتباهي خبر في التلفاز فألقيتها على ظهرها بجانبي وبدأت أتابع الخبر، بعد سماع أصوات الاحتجاج من هبة لفت انتباهي كيف تحاول ان تجلس وحدها ودون مساعدة مني فكانت تسقط أرضا فتحاول من جديد، لقد صاحت، بكت، لكن لم تستسلم ابداً.
اليوم الثاني لهذه الحادثة الطبيعية تمكنت هبة من الجلوس وحدها، حسبت ذلك صدفة فقمت بالقاءها على ظهرها حاولت ثلاث مرات وجلست مجدداً، بعد يومين آخرين أصبحت هبة تنتقل من وضع الاستلقاء الى وضع الجلوس دون جهد يذكر، أصبح ذلك جزء من تطورها وإنجاز نموها الجسدي.
هكذا رأيت طفلتي ومعلمتي الصغيرة تقوم بالمحاولة اثر الأخرى، رايتها في سلم التدرج كيف تخطو ببطئ لكن خطوة الى الأمام.
لهذا قررت ان أقوم انا نفسي بمراقبة ومقاربة نفسي وأنا أسير الى الأمام.
عندما يكون الحب أقوى الأسلحة، تتجلى الإرادة بأجمل صور لها، تثور العزيمة الى أعلى مستويات التحدي، عندها يصبح السرطان أعراض أنفلونزا عابرة، لربما ينظر القارئ لهذه المقدمة القصيرة نظرة رومانسية فلا يصدقها ولا يلتفت إليها، لكن هذه هي الحقيقة وهذا هو السر الذي نقل صبرى من حاله 1 الى حاله 2.
صبرى اثناء العلاج






  
صبرى بعد العلاج



 




ان اليوم حمل في طياته رغبة جديدة في حمل القلم ليخط أفكارا ومشاعر جديدة تعبر في أحرفها عن أمل يتجدد وتحول ينتقل بين
 الشكل والجوهر في داخلي ليرسم ملامح هذا الإنسان القديم – الجديد لربما من الأفضل وصف الحالة بأنها ولادة جديدة، منذ عدة اشهر تقريباً واظبت زوجتي خبيرة التجميل على العمل بشكل منتظم اسبوعياً متحدية المرض، ومستخدمة العشرون عاماً من خبرتها لإعادة النضارة لبشرة وجهي التي أكل نضارتها المرض والعلاج الكيماوي، يا له من تحدي صعب، هل تحاول رفيقة دربي إحياء ما أتلفه الزمن..؟؟ ببساطة هذا ما تحاوله باستخدام ما هو متاح لديها، لكن الأهم في هذا الجانب هو حجم وغزارة الحب الذي ينتقل من بين أطراف أناملها العشرة الى ألاف الخلايا في وجهي، ان تدليكها يحمل الى بشرتي الهرمة والمتهالكة دم جديد وغذاء جديد كان له دور كبير في الانتقال من صورة رقم 1 الى صورة رقم 2 اليوم حمل الى الكثير من الملاحظات الايجابية أثناء عيادتي المستشفى، جميع من يعرفني هناك بدءً بالمرضى وانتهاءً بالطاقم الطبي مهنئين، مباركين لي هذا التحول في شكل الوجه لدي.
في الساعة الأخيرة لي في المستشفى قضيتها مسترخياً على كرسي مريح وأنا أتأمل الماضي والحاضر، شعرت برغبة جامحة تدفعني الى التأمل، تذكرت إحدى دورات التأمل التي تلقيت تدريباً عليها في الولايات المتحدة أثناء فترة دراسة الماجستير، قررت سريعا.. هيا قم وابدأ في التحضير لجلسة تأمل (استرخاء تام) يتبعه إغلاق العينين، يتبعه تركيز في السيطرة على التنفس وهذا ما يسمى بالتنفس الامعائي.
انه تمرين سهل تستخدم به عضلات الصدر والبطن معاً أثناء الشهيق حيث تعمل على تفريغ محتويات البطن وحشرها في مواجهة الظهر ثم البدأ التدريجي بالزفير... وهكذا، انه تمرين رائع انصح باستخدامه في كل ظروف الضغط النفسي والجسدي، انه جلسة تنويم ذاتي للجسد وتجديد حيوية الأوكسجين للدماغ، يساعدنا على التركيز، على تنظيم طاقتنا الجسدية ليجعلها متجانسة مع نشاط عقلنا، انه السيطرة على مراكز الدماغ الحيوية، يجعل نبض قلبنا ينخفض، حرارة جسمنا تنخفض الى أدنى مستوياتها، بالتدريب نصبح مرة بعد مرة أكثر حيوية، قوة ونشاط جسدياً، ذهنياً، إنها عملية إطلاق لطاقتنا الروحية.
انا نوعا ما معتاد على استخدام أكثر من أسلوب في الاسترخاء لكن ما قمت بتفصيله هو الأقرب والأسهل للتعلم.
اكتب هذا لان أي إنسان يمكن ان يستفيد من هكذا تمرين، حيث يتخلص من سموم جسده، يغذي روحه، يستعيد نشاطه وحيوية تفكيره، مع انه رقم واحد ضد الضغوطات النفسية والجسدية، وما أكثرها هذه الأيام وهي أكثر كثافة تضغط على كل إنسان مريض، اليوم التقيت بالمستشفى بطفل يبلغ العاشرة من العمر من منطقة نابلس عانى ما عانيت، فقمت بالترحيب به وسألته إذا ما يتذكرني فقال لي: لا، فقلت له هل تتذكر الرجل الذي أكل معك من فطور الحمص الذي كان مخصص لك، فقال: نعم عمو الان تذكرتك، أنت اليوم كثير مختلف عن المرة الاولى، وقلت له نعم لقد تحسن وضعي جيدا، وأنت اليوم بوضع جيد لكن أرى ان وزنك قد هبط، مثلي تماماً.فاجبته قائلا: لكن انا عجوز فليس مهم ان أكون ضعيفاً، لكن أنت ستصبح رجلاً عما قريب لذا يجب ان تأكل جيداً حتى تنمو عظامك، عضلاتك، وعقلك، وهنا تدخل والده مناشدا لي بأن أحث خالد ( الطفل) على الأكل لأنه صعب في البيت تجاه الأكل، عندها تذكرت الأيام الغوابر التي افقدني الكيماوي المناعة وبالتالي فقدت حواس الذوق، هل يصدق إنسانا ان مريض السرطان يجد الماء الذي ( لا لون.. لا طعم.. لا رائحة له) ذو مذاق مر مثل العلقم وان الطعام وعملية البلع تصبح صعبة ومعقدة لا بل حتى مجيء الطعام يثير التقيء، ويثير المعدة، ويصبح الإنسان غير قادر على قبول أية مادة غذائية لجهازه الهضمي، هنا يبدأ التحدي مع مريض السرطان، تحدي المواجهة ضد فقدان الشهية، فقدان الذوق، بل ان حاسة الشم تصبح من أكثر الأشياء حساسية لديه، فروائح معينة تثير الاشمئزاز والتقيؤ لديه، هنا على مريض السرطان أو على من حوله ان يراقب ذاته بشكل مستمر ويحاول ان يتناول بكميات قليلة الأشياء التي يشعر انه قادر على تحملها، عليه ان يحاول ولا يكف عن المحاولة، التنوع هنا يلعب دور مهم، فواكه، خضار، وأية أطعمة يرى نفسه قادراً على تناولها، المريض في هذه المرحلة يحتاج الكثير من التشجيع وهذا التشجيع يجب ان يكون على مدار الساعة.
انه مكسب للجسد الذي تدهور جهازه الهضمي نتيجة الكيماوي أو كرد فعل على الزراعة ان يبقى نشطاً وفاعلاً قدر الإمكان، وفي مراحل التحسن المؤقت ( بين جلسات الكيماوي أو كورساته) عليه ان يقوم بالتخزين الجيد للغذاء، من بروتين، دهون، نشويات، لأنه بدون شك سوف يحتاج هذا المخزون، ان هذه العملية تتطابق مع المثل القائل ( خبئ قرشك الأبيض الى يومك الأسود).
على القارئ ان يلاحظ إنني قبل المرض كان وزني يقارب السبعون كغم، وكانت دقات قلبي في الصباح لا تتجاوز 65 نبضة في الدقيقة ونسبة الدهون في جسدي تقارب18 % والباقي عضلات.
انا اليوم بعد ثمانية اشهر من الزراعة وزني منذ أربعة شهور غير قادر على تجاوز 56 كغم، نبضات قلبي في الصباح تجاوز 90 نبضة / دقيقة، نسبة الدهون في جسدي 11 %، عزيزي القارئ انا لا ارغب ان أدخلك في التيه العلمي إذا لم تتوفر لديك المعرفة الصحية بهذا الاتجاه لكن ما أود ان أقوله إننا نقول في اللغة العامية ... ان الهدم سهل وسريع، لكن من الصعب والذي يحتاج وقت طويل هي عملية البناء، لذا على مرضى السرطان وأهاليهم ان يعوا جيداً أهمية إعادة البناء الغذائي لتعويض ما تم تدميره من عضلات، دهون، وهذا لن يتم بسهولة إلا إذا ترافق الغذاء والنشاط الجسدي معاً فكلاهما يعزز الأخر، فعندما يتحرك مريض السرطان بالسير في ساعات الصباح أو المساء أو في الفترتين لمسافة هو يحددها ويزيدها بالتدريج فانه يبني عضلاته ويفتح الطريق أمام شهية بتناول أفضل للغذاء، هذا الغذاء الذي أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى الكمية فيه مهمة بالقدر الذي تتنوع فيه الغذاء ليشمل اللحوم، الأسماك، الحليب، البيض وكافة أنواع الخضار والفواكه كمصادر بناء صحيحة للجسد.
انا اليوم غير قلق على استعادة وزني، لكن قلق باتجاه تحقيق التوازن في جسدي بين كتلة اللحم وكتلة الدهون، ويجب ان لا ننسى أهمية الماء، هذه المادة التي تشكل أكثر من 60 % من تركيب جسدنا، يجب ان لا ننسى قوله تعالى ( وخلقنا من الماء كل شيء حي) صدق الله العظيم.
لذا يجب على مريض السرطان ان يعزز من تناول الماء، لدرجة ان عبوة الماء تصبح رفيق ملازم له أينما تواجد، وفي حال التخلي عن هذا الرفيق المخلص فان الثمن سيكون غالياً!!!
وحتى اختم شهادتي هذه ارغب ان أشارك القراء الأعزاء ان مفتاح مهم يتوجب على مريض السرطان استخدامه... انه مفتاح السؤال... انا اعرف ان مريض السرطان يتراود في ذهنه آلاف الأسئلة التي تتعلق بوضعه، بغض النظر عن المرحلة التي يمر بها، عليه ان لا يحصر نفسه بها فيصبح أسيرا لها، عليه ان لا يخجل من عملية السؤال، عليه ان ينطلق ويسال طبيبه، أهله، أصدقاءه، مرضى آخرين حتى يحصل على الأجوبة المناسبة لهذه الأسئلة التي توالدت في رأسه مثل توالد الخلايا السرطانية، لذا إذا امتنع عن السؤال يصبح أسير هذه الأسئلة والتخوفات وبهذا يعرض نفسه لسرطان جديد اسمه الخوف والخجل من السؤال، فهناك مثل صيني يقول ( ليس هناك سؤال سخيف، بل ان السخافة تكمن في عدم السؤال وعدم البحث عن إجابة) لذا انصح مجدداً باستخدام السؤال وفي كافة الاتجاهات دون تردد أو خوف الى ان تشعر انك امتلكت الإجابة المقبولة حوله.
25/5/2006 صبري صفدي    
   

شهاده رقم 5

إنها الأيام الأوائل من حزيران:
تتجدد الرغبة في الكتابة ويتجدد الأمل في اتساع عدد القراء لهذه الكلمات...على أمل أن يتزايد عددا ونوعا أنصار مرضى السرطان وأهاليهم .... لربما يصبح التضامن الاجتماعي والتعاطف النفسي بؤرة ضوء في نهار مرضى السرطان الحالك, لربما يتحول هذه التراكم في الجانب الاجتماعي والعاطفي إلى تحول نوعي يقدم نوعا من التكافل مع مريض السرطان وعائلته.....
اليوم أكتب عن شئ ليس بدرس تعلمته أثناء المرض بل عن درس تعلمته مبكرا في حياتي,أمنت به ومارسته إلى أعلى مستوى ممكن ضمن ما سمحت به ظروفي الحياتية... هذا التكافل الذي وفر لي جانب استقرار نفسي وعاطفي مع محيطي الذي مر ويمر ضمن ظروف قاسية وصعبة بل معقدة على المستويات المختلفة بدء بالسياسي وانتهاء بالاقتصادي... كنت أقول لطلابي في الجامعة مع بدء المساق لأول مرة معهم...أنني موجود لهم لمساعدتهم في كل ما أقدر عليه، ليس لأنني على هذا القدر من المروءة والشهامة، بل لأن هناك العديد من الأشخاص الذين وقفوا إلى جانبي وساعدوني في وسائل مختلفة لأتجاوز مصاعب ومحن الحياة التي تفرضها علينا الظروف كتحديات....
لقد قال لي صديق قبل ثلاثون عاما أن الإنسان يهزم لكن لا يدمر وحين اعتنقت هذه المقولة أصبحت الطريق أكثر وضوحا لي.... وحين مارست تطبيقها تفولذت قدراتى و انتصرت في أغلب معاركي...
لكن لم أجرئ يوما أن اكتب حولها .... وها أنا اليوم أصيغها كإحدى الدروس التي تعلمت في زمن غابر.
اليوم سمعت أن الجامعة لربما لا تدفع الراتب كاملا و, لفترة أطول من المتوقع, لربما نعود لمرحلة المديونية لستة أو سبعة أشهر... وأنهم سيقومون بصرف ما يتوفر لديهم في كل فرصة ممكنة....
ماذا يعني هذا لي ... يعني أن ثمن الدواء الذي اشتريه لربما يصبح على حساب دخل الأسرة ومستلزماتها... حتى أكون أكثر صراحة لقد دار حوار بيني وبين الطبيب(البروفسور) المشرف على وضعي الصحي.... حين طلبت منه أن يقوم بتخفيف الجرعة وعددها وإيقاف ما يمكن،الاستغناء عنه بهدف تقليص نفقة الأموال المصروفة علي...لأن الظروف تصبح أكثر قساوة مثل الأيام القادمة من أيام الصيف.... لكن رفض وقال لي أن ابنتك الصغيرة (هبة) تحتاج علبة حليب بقدر ما تحتاج وجود أب لها ........
ممنوع التفكير بهذا الجانب... يوجد رب كبير يرعانا وييسر أمورنا ولا تقلق كثيرا في هذا الاتجاه... طبعا أنا أدرك أن السماء لا تمطر ذهبا، ولا فضة بل الأمر يتطلب كما يقول ديننا الحنيف "اسعى يا عبدي وأنا اسعى معك" .... أنا اليوم أسعى في هذا الاتجاه ليس لي فقط لكن لي ولغيري من مرضى السرطان وغيرهم لذا اطلب وأطالب بتوسع أفقي وعمودي للمؤسسات التي تقدم خدمات لمرضى السرطان وأسرهم وأطالب بالتفاف واسع من قبل أبناء شعبنا حولها، حتى تتمكن من توسيع خدماتها بالاتجاهات المختلفة.... أنا أكتب بصدق وبصراحة مطلقة في هذا الجانب لإدراكي الشديد أن نسبة قليلة جدا من أبناء شعبنا قادرة على تحمل نفقات هذا العلاج والغالبية العظمى لا تستطيع تغطية النفقات الأساسية والأولية... فمثلا عرفت لأول مرة أن مريض بالسرطان يرغب بالزراعة على نفقة غير التأمين الصحي تتجاوز المئة ألف دولار ناهيك عن تكلفة العلاج الكيماوي قبل وبعد الزراعة لقد تعلمت أن بعض الأدوية الوريدية التي يحتاجها المريض في العامين الأولين تتجاوز خمسة آلاف شيكل لكل وجبة وحتى وأن كانت مرة كل شهر.... هذا بالإضافة الى تكاليف علاجية تطرق باب المريض من اليمين والشمال.... ماذا يعني هذا... يعني إذا كنت مريضا بالسرطان وأنت رب عائلة وأوضاعك غير ميسورة جدا ستكون بموقف تطالب به الله أن يأخذ منك الأمانة حتى لا تصبح بوضع يكون ثمن علاجك على حساب قوت أسرتك ...وللتوضيح أن مظلة التأمين الصحي في القدس بشكل خاص وإسرائيل بشكل عام تتحول منذ زمن من الطابع الاشتراكي الصحي إلى طابع الاستثمار الحر الذي يشكل عامل الربح فيه المبدأ الأول والأخير لمن يدير هذه الشبكات ذات الطابع التنافسي وتعمل باتجاه قضم الخدمات كما يقضم الفأر الجائع قطعة الجبن... لربما بعد عدة سنوات يصبح المواطن في إسرائيل أقرب حالا إلى المواطن الفلسطيني في الضفة/غزة أو حتى إلى المواطن المصري الذي يعيش ضمن سقف "من لا يدفع تكاليف العلاج لا يستحق الحياة" أما بالنسبة لنا في القدس حيث نعتبر أنفسنا أكثر حظا لامتلاكنا بطاقة تأمين صحي... فأنا أشعر اليوم بعد هذه التجربة أن الأنظمة والقوانين المطبقة في القدس تصبح جائرة وظالمة لمن لا يعرف خفاياها ومسا ريبها والكثيرمن الناس يصبح ضحية لجهله لها أو لغياب من يطارد من اجله من أجل الحصول على إذن بإجراء فحص أو تخفيض علاج... أنا اليوم بالمطلق اشعر أن ألمقدسي منا بعد عدة أعوام قليلة سيصبح غير قادر على دفع تكلفة الإقامة بالقدس فيضطر للهجرة واللجوء الطوعي!!!
إلى خارجها أو الهجرة الإجبارية تحت طائلة القوانين العائمة والمستحدثة يوم بعد يوم حيث تدفع الناس إلى نفس الاتجاه... لذا أأكد مجددا إلى ضرورة طلب إسناد المؤسسات الموجودة ودعمها حتى تتمكن من التوسع الأفقي والعمودي لدعم هؤلاء الناس الذين رغب القدر أن يمتحن قدرتهم على الصمود والاستمرار في رسالتهم الإنسانية....
بالنسبة للجانب النفسي الفردي لي فقد تعلمت منذ مرضي كيف تحك المعادن فتعرف الذهب منها وتفرقه عن التنك... في بداية مرضي تلقيت رسائل دعم وتعاطف من الإطار الاجتماعي لي أكثر من مئة مرة مما تلقيت أثناء حياتي كلها... لكن ذلك كان ليس إلا لمعان زائف لمعادن غالبيتها العظمى زائفة... تعلمت أن الذهب الحقيقي من حولي لا يتجاوزون عدد أصابع يدي أما المئات الأخرى أثبتت محدودية عطاءها والتفافها حتى على المستوى المعنوي لفترة انتشار الخبر(خبر مرضي) وبعدها اختفت في الأماكن والأزمان...لقد تعلمت من هم الأصدقاء الحقيقيون من هم الذين ينتمون لي وأنتمي إليهم بالإنسانية أكثر من أية رابطة أخرى نقر اجتماعيا أنها ألاٌقوى.... لقد تعلمت أن  الكثير من الذين يملكون لا يرغبون ولا يشكل العطاء جزء من كينونتهم ... طبعا إنا هنا لا ألوم أحدا ولا أطالب أحدا بشئ... لكن كما قال لي أبي "يا بني لا تزعل من إنسان أخذ منك ولا يرغب بسداد الدين... فكل إنسان أخذ منك يخبئ لك وهذه هي الدنيا ترفع ناس وتنزل ناس" هذا هو كلام أبي الذي لم أستوعب جميع مضامينه لكن تجربة المرض أعادت الذاكرة في خاطري لأنني عندما كنت بكامل صحتي وعنفواني كان الأصدقاء كثر وعندما أصابني سهم القدر في صدري ظن الكثير إنني ميت لا محالة... لكن لم يعرفوا أن من كان له عمر لا تقتله شدة... وها أنا أعود إلى الشارع من جديد لأخوض حرب صراع البقاء مسلحا بمحبين جدد ومتجددين... مسقطا من حسابي كل من خانته المروءة فوقف عاجزا أمام الأزمة راجيا من الله ألا يصيبهم بمكروه لأنه لو حدث ذلك ستكون مصيبتهم أعظم!!!
ساعات قليلة بعد كتابة هذه الصفحات،عدت إدراجي البيت وفتحت التلفاز لأصادف بث فيلم على قناة فلسطين يدور حول القضية الفلسطينية، لقد أثارني مشهد قصير تدور أحداث أللقطات في إحدى القرى الفلسطينية أثناء ثورة 1929 حيث أحضر جنود الاحتلال البريطاني أحد شباب القرية غارقا  في دمه بعد أن اخترقه رصاص الجنود البريطانيون.
لقد أحضروه إلى ساحة القرية وجمعوا كل أهلها من الرضيع إلى المسن بهدف أن يتعرف أهل القرية عليه وبالتالي يقوم الجنود البريطانيون بمعاقبة أهل القرية لخروج هذا الشهيد من أحشاءها... سأل الضابط البريطاني أهل القرية بعد أن كشف عن وجه الشهيد وهو يتفحص وجوههم وردة فعلهم، لقد سأل إذا ما عرفوا من هو الشهيد؟؟
لقد كبت الجميع مشاعره حتى زوجة الشهيد وأجابوا جميعا أنهم  لا يعرفوه،  من بعدها اختار الضابط أقوى أربع شباب وأمر بإطلاق النار عليهم ليصبح الشهداء خمسة بدل واحد...
هذه ما حدث في 28/آذار /1929 أما مكان الحدث بقي مجهولا لي... والنتيجة انفجرت النساء بالزغاريد والرجال بالأناشيد الوطنية،معبرة بذلك عن مشاعرها الحقيقية...
لقد تسألت:هل من المعقول  أن ينكر شعب ما شهيده ؟!!
أن ينكر أهل الشهيد شهيدهم البطل؟؟!! آملين بذلك أن يتجنبوا العقوبة الجماعية.. نعم لقد فعلوا ذلك لكن هكذا الناس يتعلمون... أنهم يتعلمون بالطريقة الصعبة . لقد أصبح لديهم خمسة شهداء بدل شهيد واحد...
لذا اضطروا بإظهار مشاعرهم الحقيقية وموقفهم الجوهري من الشهيد/ الشهداء.
بعد تأمل قصير استطعت أن أتفهم موقفهم،لكن ما لا أتفهمه هو أن يقوم بعض أحباءك بنعيك وأنت ما تزال حيا... أن يبتعدوا عنك لتجنب المواجهة مع حالة طبيعية تسمى"الموت" فيعلنون الموت قبل آونة ، إن الأكثر إيلاما على ضوء هذه المقاربة بين حدثين غير متشابهين ، أن الشهيد والمريض الحي (مريض السرطان) الموشك على الموت يمقتان من الأعماق أي نظرة شفقة أو أي تعبيرات تدلل عليها ، فأنا أذكر أنني سمعت أحدى زميلا تي أثناء وجودي بالمستشفى عبر هاتفها الذي لم يغلق الخط به بعد ... سمعتها تقول بعد أن سألت عني وتحدثت معي عن أوضاعي تقول لمن حولها من الزملاء عبارات تشير باتجاه الشفقة علي ... أذكر منها مسكين صبري ...
حرام اللي بيصير معه وأخذت تبكي ...رغم أدراكي انفعالها العاطفي ألا أنني لم أستحسن تلفظها ...
وأوشكت على الرد عليها بالتعنيف بدل الشكر ّ!!!
وهنا أأكد لكم أن الإنسان لديه أحساس بالكرامة ، يعطيه الحق بأن يرفض أية ممارسة تشير باتجاه العطف والشفقة ، أنه يحتاج إلى التفهم لوضعه... يحتاج الدعم والإسناد .....
يحتاج لمن يقف بجانبه ويمسك بيده ... ولا يحتاج من يطلق عليه الأحكام والتصنيف بما يتعلق بحالته ..... أقول هذا لسبب بسيط أن شعور المريض بأنه موضع رثاء وشفقة ، يدفعه باتجاه
اليأس والإحباط ربما الاستسلام للمرض بدل المقاومة .....أن الإنسان  يحتاج منا لمن يمسك بيده ولو ضمن صمت طويل إذا عجزت الكلمات عن التعبير ..... وللتدليل على ما اقصد أشارككم هذا الموقف البسيط .... أثناء الأيام الحالكة والصعبة عليّ قامت ابنتي تمارة بإهدائي سوار مطاطي مكتوب عليه بالإنجليزية عش قوياLive strong  لقد ألبستني السوار وقامت باحتضاني بصمت....  لقد شعرت بعمق الحب والتضامن الذي انتقل عبر يديها إلى جسدي ...(أقسم أنها زرعت بداخلي الحياة ) ..... عندها قررت أن لا أخلع هذا السوار من يدي طلما بقيت حيا .....
لقد أعطتني أبنتي سوارا بسيطا جدا ، أحمله بفخر واعتزاز وأشعر بأنه يمنحني دفعات متتالية من القوة كلما شعرت به يلامسني ......
أصبحت قطعة مطاط مصدر مقاومة في الأوقات الصعبة.
حتى أختم هذه الشهادة ، أحب من الأعماق أن أقدم جزيل الشكر لكل من وقف إلى جانبي ورعاني في أوقات أزمتي أشكرهم لهذه الرعاية التي شملت الجانب الصحي ،الجسدي،النفسي،الاجتماعي ،العاطفي و ابدء الشكر لكل الطواقم الصحية في المستشفيات من أطباء وممرضين وباقي التخصصات حتى عاملي التنظيف الذي قاموا بالمحافظة على بيئة صحية من حولي لفترة تجاوزت النصف عام....
أشكر كل من قام بالسؤال عني  مباشرة أو غير مباشرة من أهل وأصدقاء وزملاء.....
لكن أدين بالشكر والعرفان لبضعة جنود مجهولين لديهم درجة عالية من الإنسانية التي منحوني إياها على شكل جرعات متتالية غير سائلين ماذا قدموا لي ...... بل على العكس لقد أثبتوا بسلوكهم المتواصل أنهم كانوا دائمي السؤال حول ماهية الأشياء الجديدة التي يستطيعون تقديمها لي ولأسرتي هؤلاء هم الأحبة الحقيقيون .... هؤلاء هم من تعلمت من خلال مواقفهم كشف الذهب عن باقي كل ما يلمع إنهم كنزي وقوتي ... وآمل من الله أن أكون لهم ولغيرهم كنزا يجدونه عندما يحتاجون إليه...
لقد تعلمت بعد إثارة الذاكرة في هذا الاتجاه،وعلى ضوء التجربة مع المرض أنني حسبت الكثيرين أصدقاء ، شركاء درب ، أحباء وحسبت أن هناك البعض الآخر الذي اعتبرته معارف وإطار اجتماعي مهني فقط ... لقد أثبت الكثيرون ممن هم في التصنيف الأول أنهم ليس بمستوى اللقب والتصنيف وأن هناك أناس أصيلون ... معطاءون ، يحبونك بصمت ويعطونك بتواضع ،ويقفون إلى جانبك على الدوام وأنت لا تدري بهم ... اليوم تعلمت أن أرفعهم إلى التصنيف الأول وأربط مصيري بهم مجددا... لربما هذه عمليه جرد حساب وتجديد عهد لمن يستحق ، وقفت فيه بتجرد أمام نفسي لأجدد الصدق مع ذاتي حتى أصدق مع الآخرين.... أليس الإنسان يتعلم بالأزمات ألف مرة أكثر مما يتعلم في السنوات الطبيعية ؟؟!!
نعم علي أن أعبر لهؤلاء للمرة المليون عن شكري وامتناني متعهدا لهم أن أبقى مفتوح القلب والفكر تجاههم- وتجاه أناس آخرين لم أعرفهم بعد...
لقد تعلمت اليوم أن الحياة غنية بأنواع البشر والمطلوب مني أن أدرس وأتأمل من هم من حولي ومنهم بعيدين عني ... عندها أنا واثق أنني سأصادف الموجة تلو الأخرى من المواقف المليئة بالمروءة والعطاء المتجدد وهنا أجد نفسي ملزما بإعلان الانتماء لهم ولمواقفهم المشرفة التي نبعت من أصالة إنسانية حقيقية... اليوم أزدادت قناعتي بضرورة الانتماء حسب درجة الحب الإنساني فينا ، دون الالتفاف لأهمية اللون ، الجنس ،الدين ، الحالة الاجتماعية ، المركز......الخ
المعيار هو إنسانية الشخص وممارسته لها ... الإنسانية الصادقة فقط... لذا أصبح من الضروري لي ولغيري أن أقوم بمحاولة متواضعة لوضع قواعد لإنسانيتي...
سيكون لي جسد، ربما أحبه،أو لا أحبه،لكنه لي منذ فترة طويلة وهو سيبقى كذلك لفترة طويلة أخرى، (أستطيع أن أفعل أكثر مما أتوقع ).... سوف أتعلم دروسا لأنني مرتبط بشكل كامل بمدرسة غير رسمية اسمها مدرسة الحياة. كل يوم في هذه المدرسة لدي فرصة لتعلم دروس جديدة أو دروس مرت علي ولكن لم يتم استيعابها في زمن سابق. ربما أحب هذه الدروس أو اعتبرها دروس غير معقولة وغبية....
أولا- يجب أن أتعلم أنه لا يوجد أخطاء، بل هناك دروس فقط. كل التجارب ثمينة للتعلم. النمو والتطور هما عملية تحكمها التجربة بما تحمل من فرص نجاح أو عدم نجاح...لذا كلنا مجرّبون في هذه التجربة (الدرس) حيث يظل الدرس يعيد ذاته ويتكرر حتى يتم تعلمه.
الدرس يقدم لنا بأساليب مختلفة وبعدة طرق إلى أن يتم تعلمه واستيعابه.... عندها يمكننا الانتقال إلى الدرس التالي.... لتبدأ دورة جديدة من التعلم- تعلم الدروس لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة... لا يوجد جزء من الحياة بدون دروس، فالإنسان يتعلم طالما فيه شريان نابض.... إن الآخرين ممن هم حولي هم مرآة لي... لا أستطيع أن أبدي إعجاب أو رفض لجانب ما لأي إنسان، إلا إذا كان يعكس لي شيئا، أنا أعجب أو أرفض نفس الجانب في ذاتي.... أخي القارئ (الإنسان) ملخص القول أن كل واحد منا لديه كل ما يحتاج في داخله، لديه كل الأدوات والمصادر التي تؤهله من تملك الحياة والاستمرار.... المسؤولية عن حياتك لك وحدك، يجب أن تثق بالأجوبة التي تنبع من داخلك... عليك إطلاق المزيد من قدراتك الداخلية لتتعلم... وعندما تتعلم, تدفع ذاتك باتجه جديد فى مسار حلقات التطور التى لا ينتهى الا بانتهاء الحياه.

شهاده رقم 6
لا ادري هل هي حرارة تموز التي ضربت بقسوة اليوم خلايا دماغي فأشعرتني بدفء الصيف يعبر الى عمق العمق في ملايين الخلايا العصبية داخل جمجمتي مما دفع بها الى نشاط وحيوية لم اعهد مثلها من قبل. لقد تعلمت في العقدين الاخيرين من العمر ان اتنقل بين تعابير وجمل كنت احفظها الى مستوى اكثر ارتقاء و تطورا ...في الماضي تعلمت كم هو مهم وحيوي وجود ترابط بين الشكل و المحتوى بين الاطار والجواهر ...كنت أقر دائما ضرورة التجانس بينهما من خلال التأثير المتبادل ,وكيف يكون التأثير من احدهما الى الاخر حين يطرأ تغيرا في التركيب على احدهما ...لدرجة انني تعلمت ان الجوهر يغير اطاره عندما يصبح بمستوى غير قادر على التجانس وهنا يتجلى التجديد النسبي المستمر ....انطلاقا من هذه المقدمة النظرية البسيطة بدءت أتنقل بتفكيري من السطح (قشرة الدماغ ) الى المستوى الاعمق فالاعمق وهذا ما قادني الى التساؤل "هل انا قادر على الاجابة على سؤال كنت لا اجرىء الاجابة عليه وانا اليوم بوضع دفعني للأجهار به ومصارحة نفسي املا ان اجد لهذا التساؤل الجواب الشافي !!!....في احدى الشهادات طلبت من مرضى السرطان ضرورة التمتع بجرءة السؤال في كافة الاتجاهات ....وها انا اليوم استجمعت ما يكفي لأسأل نفسي "ماذا يكون موقف صبري لو لا سمح الله حصل معي انتكاسة في مسار عملية الشفاء " ,"الذي لا يضمن احد ولا يعرف احد مدى صمود الزراعة في جسدي و الى اية فترة ممكن ان تستمر (سنة,سنتين,او اكثر.) وهل انا قادر على خوض المعركة مع الكيماوي و تجربة الزراعة مجددا ام لا ؟؟ هذا السؤال الصعب و المعقد والذي لا يمكن لأي احد ان يجيب عليه غيري قررت اليوم ان ابدء بالبحث عن اجابة له.... كنت في السابق اي منذ بدء مرحلة النهوض و الاستشفاء اقوم بتبسيط الامر واقول هذا احتمال ضعيف ....اقول في وقته يجىء مقته ....كنت استرشد بفلسفة هيمنغوي في رواية الشيخ و البحر ... "ان اعيش اللحظه و ان احافظ على مبدء التجديف,اى ان اواجه الاشياء وقت حصولها." اليوم لم يعد هذا كافياّ ....لم تعد هذه القناعات تشكل اطارا مقبولا لجوهر سؤال من هكذا نوعية, بدء يطرح نفسه علي بقوة لدرجة كما قلت قبل قليل اننى استجمعت جرءتي وجهرت به وانا احاول ان اتداول فيه مع نفسي اولا و معكم ثانيا ......
لربما هي نوع من المكاشفة والشفافية مع الذات التي يطالب بها الناس و المجموعات بعضهم البعض لكن القليل فقط من يستطيع فعل ذلك لأن المكاشفة تبدء مع الذات مثلما  هو التضليل يبدء من نفس المكان.
ان مجرد التفكير في مبدء الانتكاسة الصحية نتيجة لعودة تكاثر الخلايا السرطانية يثير موجة من الرعب و الخوف و الاحباط لدى اي انسان ....بالنسبة لي فقط تم حسم موضوعه الموت و فراق الاحباء ,لأن هذا الأمر ليس بيدي بل انه موكل لخالقي ولا امتلك اي تأخير لموعده المحدد...اما للجانب الثاني وهو الاكثر الحاحية في التفكير هو العودة الى نقطة الصفر...كيماوي مكثف ثم زراعة نخاع وبعدها يأتي ردة فعل الجسد للزراعة اي ما يسمى”Graft versus host disease” ....وهذا ما سلمت منه في الزراعة الحالية وخرجت بأقل اضرار ومعاناة ,لكن التفكير الواقعي يدفعني بالقول كما تقول عجائز بلادي "مش كل مرة تسلم الجرة".... وانا اكتب هذه الكلمات شعرت بشريط سينمائي يدور بسرعة في مخيلتي و يستعرض كيف كان الوضع لفترة زادت عن الثمانية أشهر لفترة مكثفة من العلاج و المتابعة رافقها كم هائل من الضعف والهزال من الالم و المعاناة في جو من التقييد والعزل الصحي ...خلالها شعرت أنني مخلوق يعتمد بنسبة 98%على الغير وبقي له 2%من القدرة الاستقلالية  و الاعتماد على الذات في تلبية الاحتياجات اليومية لمواصلة الحياة ...تذكرت كيف تتشنج العضلات بشكلها المتتالي مثل موج البحر ...وكيف تكون نتائج الفحوص المخبرية تتقلب مثل اجواء شباط بدون ثبات ...مرة يرتفع البوتاسيوم ومره ينخفض المغنيسيوم...ومره تثور انزيمات الكبد وما ان يتم ضبطها حتى تأتي الكلى بالاحتجاج وما الى ذلك من تخبط وعدم استقرار في عمل الاجهزة الحيوية في الجسد. تذكرت كيف كان النشاط للجهاز الهضمي لدي.. من فقدان شهية شديد ,موجات لا تحتمل من الاسهال وما يرافقها من اخلال في توازن السوائل و الاملاح بجسدي ...مما يستدعي المزيد من الفحوصات ....(سحب دم متكرر) يثير الخوف لمن لا يمتلك الخلفية العلمية المحيطة بهذه العمليات ...تذكرت كيف اخذت قررا في لحظة ما بعد ان فقدت السيطرة على امعائي و فقدت القدرة الجسدية على الوصول الى الحمام في الوقت المناسب ...كيف اخذت قرار لبس الحفاضة مثل الاطفال وكم كان هذا القرار مساعدا رغم تصديره الاحساس بالاهانة لانه ينقل صبري ذو الخمسين عاما الى صبري ذو خمسة اشهر .....ان لبس الحفاضة هو الشعور العميق بفقدان الاستقلالية و الاعتماد على الغير في اكثر النشاطات الجسدية خصوصية لدى الانسان البالغ ....انا حتى اكون صادقا اعتبر نفسي شجاعا في عمل ذلك رغم انني كنت شاهد على دموع الكثير من الرجال عندما فرض عليهم مثل هذه  الممارسة ....حقا فأنا لم ابكي و لم اعطي الموضوع الكثير من الاعتبارات لدرجة انني تخيلت ان الحفاض هو شورت خليلي ...لا مانع ان راّني الاخرون به و انا في السرير أو اثناء الحركة بين السرير و المقعد المجاور ....فلم اشعر بالاحباط أو الخزي لانني واثق انها جزء من طبيعة المرحلة التي بالتأكيد سوف تنتهي عاجالا ام اجلا .....
لقد تذكرت اهتراء و التهاب الغشاء المغلف للجهاز الهضمي و الجهاز البولي و كيف سبب لي الاول الشعور بعدم القدرة على البلع ....حتى حبه الدواء الصغيرة اصبحت اقاتل حتى اتمكن من بلعها .... وانا الذي كان معتادا على بلع بيضة مسلوقة دون قضمها وبدون ماء ....لذا اصبحت الادوية الصلبة تسبب لي اختناق ومصدر تقي كلما حاولت تناولها بالفم .... لقد تم اللجوء لاستخدام البدائل من السوائل, نعم كان البلع اسهل لكن لم يكن ناجحا في الكثير من المرات لان شرب السائل كان يهيج البلعوم و المعدة و يدفعها بقذف محتوياتها .....أما بالنسبة للجهاز البولي فحدث ولا حرج...الم شديد في القناة البولية فرضت حتى على الجهاز الطبي الاستعانة بادويه الاعشاب (الطب البديل) لتخفيف حدة الالتهاب, انه التهاب غير جرثومي نتيجة المواد الكيماوية المعطاة لي لمحاربة الخلايا السرطانية ...هل يتصور احدكم نفسه انه مرغم للذهاب الى الحمام كل ربع ساعة حتى يتخلص من بضع قطرات بولية في لحظات مؤلمة جدا وما ان يستعيد انفاسه بعد هذا الالم يتجدد الشعور بالحاجة الى الذهاب مسرعا مرة أخرى للحمام ...لامانع هنا ان يضحك القارىء معي, فأنا قلت لنفسي ساخرا و ساخطا على ظروفي كيف اصبح الحمام اكثر مكان اقضي فيه وقتا لقد اتعبت عضلات مقعدتي الذائبة اصلا, لدرجة انني كنت اجلس على المقعد بدرجة معينة من الارتطام المؤلم وكنت اغادره متكئا على المغسلة مثلما يفعل رجل مسن عمره مئة عام .....هنا بدءت اضحك واقول مغنيا "بيت العز يا بيتنا ".....لعن الله الزمن  الذي جعلني اقضي فيه معظم وقتي طوال فترة الاضطرابات المعوية و البولية وما رافقها من التهابات ونمو جرثومي لفقداني المناعة ان اقضى وقت طويل وقسى فى غرفه نطلق عليها بيت الراحه مجازيا... فزراعة الخروج واخذ العينة و زراعة البول واخذ العينة اصبح كثير التكرار .... و انا من يقوم بتحضير العينات ...وليس غيري كان هذا بالنسبة لي شيء عادي لطبيعة خلفيتي المهنية ...لكني اقدر حجم الاستياء و الاحباط الذي يولده هذا التكرار عند مريض لا يمتلك هذه الخلفية , فالعملية رغم اهميتها وضرورتها ,الا انها عملية كبيره الاشمئزاز و الاحباط لدى المريض او غير المريض ممن يتحمل مسؤولية انجازها....وهنا يأتي ضرورة الشكر و الوقوف احتراما لمن يساعد المرضى على انجاز الحصول على هذه العينات....بعد هذا الاسترسال اعود للب الموضوع حيث ارغب بالقول ان الشكل الذى ارى فى المراه لا يتناغم  مع جوهر " الروح و الشخصيه " لدى صبرى .
أسف عزيزي القارىء لكوني لا استطيع الاستمرار في استعراض هذا الفلم الدرامي ... لكونه مصدر الم نفسي يشتد كلما تكثف استحضار الذاكرة في هذه المسارات المتعددة لفترة العلاج المكثف........
لكن لربما اعود لذلك في شهادات اخرى بعد فترة نقاهة للذاكرة, المهم هنا العودة للاجابة على السؤال الجوهري .....لقد قررت شيئا غريبا لقد قررت استخدام اسلوب عالمي النفس (بافلوف وسكنر) في هذا المجال حيث اجلس مع نفسي لفترة قصيرة مرة او مرتين  بالاسبوع و اقوم باستخدام الذاكرة الصورية (visual imaging) لهذه المرحلة على امل ان اعتاد عليها و اتهيء من جديد للتعامل معها باصرار و عناد ومقاومة اكبر اذا ما حصلت الانتكاسه .و سأقوم بمواصلة التفكير, واطلاق العنان لدماغي وما اكتسبه من خبرة علمية في المجال الصحي عبر سنوات طويلة و متنوعة زادت في عددها عن الثلاثة عقود, لعلي اجد مسارات اخرى  اتبعها و أضيفها الى الخطوة الاولى ,املا ان اصل الى وجود خطة عملية ناجعة في مواجهة ما هو محتمل اذا ما قدر الله حصوله .دافعا نفسي ضمن خيار واحد ووحيد ....ساقاوم ثم اقاوم طالما بقي في جسدي أنفاس وطالما بقي لدي وعي وادراك لما يدور حولي......ان هذا الخيار هو موقف ثابت لدي ينطلق من ايماني بالانتصار على الظروف مهما كانت صعبة و معقدة ....فلا خيار امام الانسان الذي يمتلك رسالة في حياته ,الا خيار الامل في انجازها وتحقيقها وعندما يشعر بأنه ابلغ الرسالة وأداها .....يسهل عليه احتضان الموت بسلام داخلي دون خوف أو رهبة .....أليس ديننا الحنيف من علمنا ان نردد "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا........الخ".
             

شهاده رقم 7
مقدمه:- هذه الشهاده ليست شهاده تقليديه , انها شهاده تامليه اسمها انا وزحل " انا و مرض السرطان" . انها شهاده تنبع من فهم خاص لهذه المجره التي تدعى المجموعة الشمسية او درب التبانة في علم الفلك انا اعرف مسبقا ان هناك اناس كثيرون في هذا العالم تؤمن بتأثير النجوم علينا ,بالوقت ذاته هناك اخرين يعتبرون ذلك وهم و خيال ...لكن الحقيقة الساطعة تقول اننا جزء من هذا الكون ونعيش ضمن قوانين التبادل والتأثير ...لذا  ارتأيت ان اكتب من هذا المنطق الذي يبدو غريبا للكثير لكن ليس لي شخصيا ....ليس االمهم ما اؤمن أو ادعي بل المهم محتوى الدروس التي اتناول في هذه الشهادة ....رغبة في التذكير وليس محاولة للاقناع اورد لكم قبل الشروع بهذا المجال  ما ورد في الكتب السماوية الثلاثة
اولا:- لقد ورد في سورة النحل "بسم الله الرحمن الرحيم",و سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم ,مسخرات بأمره ,ان في ذلك لاّيات لقوم يعقلون" كما ورد في سورة الانعام "هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر "صدق الله العظيم.
ثانيا"-ولقد ورد في الانجيل المقدس قول سيدنا عيسى عليه السلام :أنا يسوع أرسلت ملاكي ليشهد لكم بهذا في الكنائس . انا اصل داود وذريته وكوكب الصبح الساطع. (كوكب الصبح الساطع هو نفسه كوكب الزهراء)
ثالثا:_واخيرا ورد في التوراة "السموات تحدث بمجد الله و الفلك يخبر بعمل يديه يوم الى يوم يذيع كلاما,وليل الى ليل يبدي علما )المزمور 19
بداية انا انسان ولدت بتاريخ 15\8|1955الساعة السادسة ونصف صباحا بهذا يعتبر من يهتم بالفلك انني من برج الاسد وطالعي بداية الاسد وبهذا يكون بيت الثاني عشر هو السرطان (بيت امتحان القدر للانسان )بتاريخ 19\4\2005 يوم اكتشاف مرض السرطان بجسدي كان كوكب زحل يسكن برج السرطان بدرجة 20 وبعد ذلك بثلاثة اشهر دخل الى برجي و سيبقى به لفترة تقترب من العامين و نصف .ما تعلمته خلال حياتي في هذا الجانب عن زحل كثير وكثير جدا ...لكن اغلب الناس ترتعد فرائصها عند سماع كلمة زحل لما تثيره في نفوسها من شعور بالخوف من المصائب و البلاء من المعاناة وسوء الحظ  الذي يجلبه ...اليوم سوف اكتب قليلا عن هذا الكوكب من منظار فلكي اكثر مما هو شعبي و سطحي لعلنا نتعلم شيئا مفيدا ...فزحل بالنهاية يتقارب كثيرا ويتداخل مع تجربتي  اثناء العلاج لمرض السرطان ...وكما ان السرطان اخذ مني اشياء غالية ولكن اعطاني اشياء لا تقل اهمية كذلك فعل زحل معي اثناء دخوله البيوت المختلفة في دوراته المتعدده اثناء الخمسين سنة وها هو يرقد في برجي حتى الثلث الثاني من عام 2007 كما هو الحال مع مرض السرطان الذي دخل الى اعماقي لكن لا اعرف الى اين سيؤدي ....او الى متى سيبقى ؟؟.
ما هو كوكب زحل ...انه كوكب في مجرتنا يعتبر الثاني من ناحية كبر حجمه بعد كوكب المشتري (كوكب الحظ) حيث يبلغ قطره اي زحل 74,6 ميل ويبعد حوالي 88607 مليون ميل عن الارض و يحتاج حوالي 29,5 سنة لاكمال دوره واحدة حول الشمس. له عده حلقات حوله تقدر ب ثلاثة او اربعة, مكونة من الثلج و الصخر و يدور في فلكه اثنا عشر قمرا ....يعتبر زحل من اجمل الكواكب عند تصويره من خلال المحطات الفضائية ...يبلغ طول يومه عشر ساعات و39 دقيقة واخيرا اكتشفه العالم جوهان انكي Johann Encke عام 1837م.
زحل عندما  يسير ببط اي بمفهوم فلكي يعتبر في حالة تراجع يلاحظ ان الناس بشكل عام ومن يكون في برجهم بشكل خاص يفقدون  القدرة على التنظيم ....تعم الفوضى ويتدنى الاحساس بالمسؤولية و الواجب .....تزداد المصاريف وتختل الميزانيات. وتبلغ فترة التراجع مدة اربعة اشهر و نصف و عندما يتقدم فأنه يصبح مصدر طاقة تدفعنا
باتجاه المثابرة والسؤولية وتحدي الصعاب ....
بالنتيجة الاولية زحل ذلك الكوكب الجاف و البارد الذي يعتبره الكثير من الفلكيين كما هو منتشر في الوسط الشعبي مصدر المتاعب ,الشؤم و المصائب انه يثير في الناس مشاعر الاحباط ,الحزن والتوتر...!!! و لكن عندما يقابل بالاراده و التصميم يصبح حافزا للنجاح, للشرف ,للعدل ,للحكمة انه ينبوع السلطة و القيادة ويمنح الاشياء طول العمر و البقاء .
زحل هو من يعلم الناس النظام و المسؤولية ...انه زيت نظام الكوابح لدينا حيث يحدد لنا السرعة في الزمان و المكان انه يمثل انظمة السير في طرقات هذا العالم المتزاحم .....في الجانب المكمل له فهو يمثل المعوقات و الامتحانات الصعبة ,يمثل الازمات بكافة اوجهها لذا هو رمز الاشياء التي تثير الرعب و الخوف في نفوسنا....فلو استطعنا النظر اليه كمعلم صارم يجلد ظهورنا ,لكن يقول لنا تذكر ايها الانسان ان ليس كل من يضربك يكرهك كما وليس كل من يضحكك يحبك !!!عندها سنتعلم منه اهمية مبدء الاعتدال والوسيطة سنتعلم كيفية قياس الامور واتخاذ جانب الحيطة والحذر في خطواتنا ....انه العّبارة التي تنقلنا من شاطىء العفوية الى شاطىء التخطيط وسط هذا النهر الجارف الملىء بتيارات الصراع و التناقض في هذه الحياة ....انه عكاز الكفيف التي يطرق بها الارض ليتحسس موطىء قدمه في الخطوة التالية ......
لذا ارى لزاما علي ان اتذكر ما ورد في مقالة سابقة لي ان الحياة ليست الا دروس ,تكرر نفسها حتى نتعلمها .....وهنا يتوجب علي وعلى من ينطبق عليه الوضع تجنب رفض او مقاومة هذه الدروس و الا فالثمن باهظ واغلى مما نتوقع !!!!
اهم دروس زحل لي في هذه الايام "انني قبلت وتقبلت بصدر رحب وجوده في حياتي ,لقد قبلت ان تتحرك الاشياء من حولي ببطىء شديد لدرجة تصبح الحركة و التقدم اقرب لحركة وتقدم السلحفاة .....لهذا ومن اجل التقدم على ان ابذل جهدا متواصلا , باذلا طاقتي باتجاه عملي مفيد (ذو اتجاه و معنى ) يحقق بعد وقت انجاز مشاريعي و أهدافي المختلفة, تلك الاهداف التي تم تحديدها بعناية بفضل زحل ((هذا))!!!. ان هذه المرحلة من حياتي تتميز عن سابقاتها بوضع اساس بنائي صلب...جاء على ضوء وضوح الفهم حول موضوعة الاعتدال وهذا امر ضروري لنمو و تجددى الروحي و الجسدي حيث أجد نفسي ملزما بتجنب لوم الاخرين أو لوم القدر لما انا عليه اليوم من اوضاع صحية ,اجتماعية وحتى اقتصادية أقل ما يمكن ان توصف به انها صعبة و قاسية .
لذا يصبح من الطبيعي في حال عدم تجاوزي ذلك أن أجد نفسي أسير باتجاه الغضب من نفسي ومن الاخرين ...أن يملئني التشاؤم والسوداوية لدرجة الدخول الى نفق الكاّبة وملحقاتها ....مما يعني ان عدم تعلم الدرس هو الدافع مجددا لخوض ذات التجربة بما تشمل من الم و معاناة متكرره ...انه وقت محدود ومؤقت يتوجب مني استيعابه واستيعاب دروسه التي تتمركز حول محدودية شخصيتي مثلما احدد في ذات الوقت مكامن قوتي الداخلية وكيفية استنهاضها واستثمارها بشكل حكيم ...لان كيفية التعاطي مع هذه المرحلة سوف يصنع الفرق خلال السنوات السبع القادمة                                                             
سؤال يطرح نفسه وهو مشروع ,كيف يرى صبري زحل؟؟؟
أنني اراه الاب الشرعي للزمن ....حيث لا يمكن التحرك خارج اطار الزمن لما لهذا البعد من اهمية .....اهمية لفكرة المحدودية التي يفرضها علينا ...وهكذا يمنحنا شكل وهيكليه لحياتنا ....انني أراه يمثل ذلك الصوت في داخلي المعبر عن صرختي العالية تجاه الذات مطالبا اياها بالضبط و الربط ....لذا يمكن ان أشبهه بأنه الشخص الاكبر والاكثر حكمة مني انه يشبه ابي بالمسؤولية يشبه السلطة والقانون الناظم لحياتي ........
زحل يا اصدقائي هو من يبقيني في المسار وهو من يجبرني على التوقف أو حتى على الخروج من المسار ....وهذا التأثير يبقى خاضعا لكيفية رؤيتي للامور ........
اعزائي واحبتي لاننا بشر ولان البشر ترغب في تحقيق احلامها فزحل يصبح الواعز و الحافز الداخلي الذي يثير فينا الطموح و التقدم لانجاز اهدافنا ((احلامنا)) , كما يصبح الدروس الحياتية التي توجب تعلمها حتى يتم الانتقال من مرحلة الى مرحلة اخرى .
وهنا ارى ضرورة التكرار للتأكيد على ان زحل المعلم الصارم الذي يقوم بتلقينا أقسى الدروس و اصعبها ليس بالضرورة بهدف تعذيبنا وتدميرنا ,بل بهدف تعليمنا كيفية العوم و البقاء .
لقد ذكرت ان زحل مرتبط بالقيود ...المعيقات ...الحدود وكذلك اوردت من بين مفردات وصفه انه يفرض نوع من الهيكلية والبناء الذي يفرض معنى جديد علينا وعلى عالمنا ....فهو عندما يفرض محدودية المكان والزمان لي ,انه يذكرني بمسؤولياتي وحدود هذه المسؤولية ....مثلما يفعل باتجاه الحامي حول تحمل التزاماتي انه في الوقت ذاته يمنحني تعريفا و معنى جديد لحياتي ...انه من خلق لدي الحاجة و الوعي للسيطرة على الذات ورسم معالمها وحدودها... في طفولتي كان زحل اب ثاني لي ....هو من فرض القوانين والانظمة علي اثناء مراحل تربيتي المختلفة وتطوراتها المتتالية ....انه معلمي الاول الذي يلعب دورا ليس دائما بالدور الجميل ,لكن ساعدني في فهم العالم من حولي ....انه من جعلني اقف على قدماي بعد كل سقوط ....بكلمات اخرى شكل زحل اّلية النمو و التطور ....
ان دورات زحل في حياتي تعتبر حلقات في مسار النضج وهرم الانجازات التي تحققت خلال فترات متباعدة نسبيا عن بعضها البعض ((كل فترة تقارب السبع سنوات )) هذه الفترات امتلئت بالمعيقات ,الضغوط وحتى الاحباطات ,لكنها كانت اوقات تحدي و مواجهة لي مع واقع حياتي المعقد...مع ذلك منحتني الحكمة......القرارات المميزة التى كانت تأخذ في تلك الاوقات ,انها اوقات اجبرتني ان اعيش اللحظة كما هو الحال اليوم .....ان اتحرك باسلوب الزحف البطىء نحو الامام ,لكن اشعر بوجود فرصة حقيقية لكسب المزيد من القوة الداخلية لاصبح اكثر مسؤولية حول كل ما أقول أو أفعل و بالنتيجة اتخلص من كل فضلاتي التي تراكمت من جراء مراحل سابقة .
زحل اليوم يدفعني باتجاه الاخذ بعين الاعتبار حول جوانب الحياة التي تتأثر به اليوم اثناء (هذه الدورة ) ذات التأثير الشامل ,حيث ضرب النواحي الجسدية (الصحة),النفسية ,الاجتماعية وحتى الاقتصادية .....هنا يتجلى الوعي لدي حول بناء المخزون وكيفية المحافظة عليه دون هدر او تبذير للطاقة و المصادر في هذه المرحلة المعقدة .
عندما يزورنا زحل نشعر احيانا كثيرة اننا نفهم الاشياء باسلوب مغلوط  و خاطىء ,نشعر اننا متركون ,بل اكثر من ذلك يسود احساس لدينا ان الناس تكون قاسية في تعاملها معنا و تكون غير متعاطفة ((بالرغم ان هذا مجرد اسلوب في كيفية النظر للامور)).
لكن الحقيقة تدفع باتجاه الايمان بأننا فقدنا روح الفكاهة و المرح في هذه المرحلة .لربما يحصل هذا لاننا في الواقع نرزح تحت اعباء و ضغوط كثيره و كبيرة ....اذن ليس غريبا ان ينتاب الانسان في هكذا وضع الاحساس بأن هذا العالم مجرد مكان بارد ومظلم يشبه ظروف الوصف المنطبقة على كوكب زحل كما ورد في بداية المقال لكن اذا كنا في حالة نضج كافية,سوف ندرك اهمية عدم لوم الاخرين على الحالة التي نعيش ....مما يحتم اهمية التواصل مع ذاتنا اي الدخول الى الجزء المظلم في نفسيتنا ((ال -ID ((ومن هناك نمسك بخيوط القوة الداخلية الكامنة فينا حتى نصل درجة الاعتماد على الجزء الواعي من الذات.....
الكاّبة ليست الا احد نتاجات هذه المرحلة الصعبة ,مع ذلك اذا تم التركيز على كيفية استخدام طاقاتنا بطرق عملية و ذات معني ,دون الدفع بقوة اكثر مما هو ضروري باتجاه الاعتراف بنا أو اطلب الدعم الزائد من الاخرين , اننا سوف نتمكن من محاربة ميولنا المتجهة نحو الاحباط والسوادية . ( اوجد الدعم الداخلي اولا ثم اطلب مساعدة الاخرين لك).
في كل مرة نجد انفسنا بمواجهة متناقضات كبيرة او حين تعرضنا لفقدان او خسارة شيء عزيز ومهم لنا ....علينا ان نتذكر أن هذه الاشياء تحدث معنا نتيجة ضعف ونقص النجاعة في جاهزيتنا ,النفسية لمواجهة اوقات الازمة ((الازمات)).
وهذا ليس الا تذكير واقعي بأهمية تنظيم الجوانب التي تأثرت خلال الازمة ....بعدها ستكون الثقة عالية بأحراز نتائج ايجابية.
ان زحل ...السرطان...او اّية كوارث اخرى بتسميات اخرى كلها يمكن اجمالها تحت عنوان امتحان القدر لنا ....تجبرنا على استخدام المكابح والعمل بمبدء العيش ضمن ظروف اللحظة وفي ذلك الزمان....انه الاسلوب الافضل للمواجهة وذلك بالدفع نحو اتجاه عدم المخاطرة و القيام بصرف طاقتنا و مصادرنا بحكمة وواقعية تمكننا من عبور الازمة و مرحلاها المختلفه باقل الخسائر وتحقيق افضل النتائج.
                                    اخوكم:صبري صفدي

No comments:

Post a Comment